حاز الشاعر منذ القدم على مكانة مرموقة بين قومه، كونه سيّد الكلمة وصانعها، وكلمته كالسيف إن نطقها فصلت وحسمت، واحتفل العرب في أيّام الجاهلية بالشاعر إذا برز منهم، فكان يعد - كالمقاتل في الحروب - ذو أهميّة في حل النّزاعات، ورأب الصدوع، والإصلاح بين القبائل و العشائر، ويتمتّع الشاعر بسمعة قوية ويخوض المناظرات الشعريّة ليظفر بالتميّز.
وكي تكون شاعراً، عليكَ أن تمتلك الموهبة، لأنّك دونها لن تصل، والموهبة فطريّة تتجسد بكونك مرهف الحس، دقيق الملاحظة، حساس لكل ما يجاورك، تتمتع بالفراسة، وإدراك بواطن النفس البشرية، محب للطبيعة، مدافع عن الحق، ثائر على الظلم و الباطل، وبعد أن تتوافر بك كل هذه السمات التي تعطيك طابعاً متميزاً عن بقية البشر، يكون عليك ثقل آخر هو: أن تصقل نفسك.
القراءة أول خطوة: اقرأ لكبار الشعراء، كمحمود درويش، والسياب، جبران، المتنبي، فدوى طوقان، ابراهيم طوقان، مظفر النواب، ولا تقصر قراءاتك على الشعر، بل توغل في جميع المجالات، في الروايات العربية و الأجنبية، وكتب التاريخ والفلسفة و الجغرافيا و أدب الرّحلات، أثري عقلك بمختلف العلوم، كي تجمع رصيد لغوي هائل.
واعمل على تطوير لغتك لفظاً ومعنى، وابدأ ، اكتب كل يوم خاطرة عن أي شيء يجول بذهنك، استمر على هذا المنوال لشهور متتالية، ثم خض في تعلم علم العروض و القافية.
كتب تعلّم العروض و القافية متوافرة في جميع المكاتب بسعر زهيد جداً، بوسعك أن تتعلمها بنفسك، هناك ستة عشر بحراً، تعلم في كل شهرين بحراً واحداً، ولا تكلّف نفسك فوق المستطاع، فليس بالضروري أن تجيد الستة عشر بحراً.
ابدأ بكتابة الشعر عفويّاً ثم زنه، وارصد أخطاءك وتعلّم منها، كي لا تقع بها من جديد.
ابحث على من يتابع تطوّرك، فأقسام اللّغة العربيّة في الجامعات، دوماً ترحّب بالمبدعين وتتبنى مواهبهم، أو سجل بأي مؤسسة محلية تهتم بالمبدعين، أو بالأدب على وجه خاص.
حينما تنتهي من الخطوات السابقة، لا تحسب نفسك أنك صرت شاعراً، لأنك ستكتشف إنما أنت في منتصف الطريق، إذ عليك الإهتمام بصنع ميزتك الخاصة، وأسلوبك الشعري الخاص، والأخذ بتوظيف الصور الخيالية، والمجاز، والبلاغة، والاختصار، و التكثيف في نصوصك الشعريّة، وبنائها كما يبني العامل الجدار، بحيث يحرص على الوحدة الموضوعيّة والفنيّة، فكل فقرة سوف تؤدي إلى أخرى، كي يكتمل المعنى عند القارئ.
وبعد هذا لن تكون محترفاً أيضاً، لأنّ الطريق أمامك طويل، و العمر يلعب دوراً في صقلك وتطويرك وتنمية أسلوبك، ونقله من قفزة إلى أخرى أعلى.
وبقي عليك أن تصادق من يهتم بالشعر، لأنّك ستسفيد من تجاربهم، وسوف ينصحونك ويقدمون لك المشورة و المساعدة، وتنافس في المسابقات المحلية و الدولية، كي تتعرف على مرتبتك بين الشعراء، والمنافسة أمر حميد يدفعك للأمام، ويحمسك لتطوير نفسك بما فيه الكفاية.
وبقي أمر أخير، وهو أنّ التعلّم لا ينتهي، فتعلم دوماً ولا تمِل.
المقالات المتعلقة بكيف تصبح شاعرا